فصل: كتاب الأيمان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ***


كتاب الأيمان

الأيمان جمع اليمين ذكرها عقيب العتاق لمناسبتها له في عدم تأثير الهزل والإكراه فهما كالطلاق وقدم العتاق عليها لقربه من الطلاق لاشتراكهما في الإسقاط ‏(‏ اليمين ‏)‏ في اللغة مشتركة بين الجارحة والقسم والقوة وإنما سمي هذا العقد يمينا ‏;‏ لأنهم يتماسكون بأيمانهم حالة التحالف ‏.‏ وفي البحر نقلا عن المنح ومفهوم لفظة اليمين لغة ‏:‏ جملة أولى إنشائية صريحة الجزأين يؤكد بها جملة بعدها خبرية ‏.‏ وترك لفظة أولى يصيره غير مانع لدخول نحو زيد قائم وهو على عكسه فإن الأولى هي المؤكدة بالثانية من التوكيد اللفظي انتهى ‏.‏ لكن قوله يؤكد بها جملة بعدها يخرجه أيضا فلا حاجة لقوله أولى تأمل ‏.‏ وخرج بالإنشائية نحو تعليق الطلاق والعتاق فإن الأولى ليست إنشائية فليست التعاليق أيمانا لغة ‏.‏ وفي الشرع ‏(‏ تقوية ‏)‏ الحالف ‏(‏ أحد طرفي الخبر ‏)‏ من الفعل والترك ‏(‏ بالمقسم به ‏)‏ وهذا التعريف أولى من تعريف صاحب الدرر وهو تقوية الخبر بذكر اسم الله لشموله الحلف بصفات الذات ‏.‏ وفي البحر نقلا عن الفتح وأما مفهوم لفظة اليمين اصطلاحا فجملة أولى إنشائية مقسم فيها باسم الله تعالى أو صفته يؤكد بها مضمون ثانية في نفس السامع ظاهرا ‏,‏ أو تحمل المتكلم على تحقيق معناها ‏,‏ فدخل بقيد ‏"‏ ظاهرا ‏"‏ الغموس أو التزام مكروه ككفر أو زوال ملك على تقدير ليمنع عنه أو محبوب ليحمل عليه ‏,‏ قد خلت التعليقات انتهى ‏.‏ لكن قوله أولى مستدرك أيضا بقوله يؤكد بها مضمون ثانية تدبر ‏.‏ وفي البحر وسببها الغائي تارة إيقاع صدقه في نفس السامع وتارة حمل نفسه أو غيره على الفعل أو الترك فبين المفهوم اللغوي والشرعي عموم من وجه لتصادقهما في اليمين بالله وانفراد اللغوي في الحلف بغيره مما يعظم وانفراد الاصطلاحي في التعليقات وشرطها العقل والبلوغ والإسلام ومن زاد الحرية كالشمني فقد سها ‏;‏ لأن العبد ينعقد يمينه ويكفر بالصوم وركنها اللفظ المستعمل فيها وحكمها وجوب البر أصلا والكفارة خلفا كما في الكافي وهو بيان لبعض أحكامها ‏;‏ لأن البر يكون واجبا ومندوبا ‏,‏ وحراما وأن الحنث يكون واجبا ومندوبا ‏.‏ وفي التبيين اليمين بغير الله تعالى أيضا مشروع وهو تعليق الجزاء بالشرط وهو ليس بيمين وضعا ‏,‏ وإنما سمي يمينا عند الفقهاء لحصول معنى اليمين بالله وهو الحمل أو المنع ‏,‏ واليمين بالله تعالى لا تكره وتقليله أولى من تكثيره ‏,‏ واليمين بغيره مكروهة عند البعض وعند عامتهم لا تكره ‏;‏ لأنه يحصل بها الوثيقة لا سيما في زماننا ‏.‏ وفي البحر من أراد أن يحلف بالله تعالى فقال خصمه لا أريد الحلف بالله يخشى على إيمانه ‏.‏

‏(‏ وهي ‏)‏ أي اليمين ‏(‏ ثلاث ‏)‏ باعتبار الحكم فإنها باعتبار العدد أكثر من أن تعد ‏(‏ غموس ‏)‏ هو فعول بمعنى فاعل وهو الحلف على إثبات شيء أو نفيه في الماضي أو الحال يتعمد الكذب فهذه اليمين يأثم فيها صاحبها لقوله عليه الصلاة والسلام ‏"‏اليمين الغموس تدع الديار بلاقع ومن حلف كاذبا أدخله الله النار‏"‏ وسميت غموسا ‏;‏ لأنها تغمس صاحبها في النار ‏(‏ وهي ‏)‏ أي اليمين الغموس ‏(‏ حلفه ‏)‏ بفتح الحاء وكسر اللام أو سكونها يمين يؤخذ بها العهد ثم سمي به كل يمين والمراد به المعنى المصدري حلف الحالف بالله كما في القهستاني ‏(‏ على أمر ماض أو حال كذبا عمدا ‏)‏ حالان من الضمير في حلف بمعنى كاذبا متعمدا ‏,‏ ويصح أن يكون صفتين لمصدر محذوف أي حلفا ‏,‏ والكذب هو الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه عمدا كان أو سهوا إلا أنه لا يأثم بالسهو ‏,‏ هذا هو المشهور ‏,‏ لكن في الكرماني وغيره أن الكذب يرجع إلى ما في الذهن دون الخارج كما في القهستاني ‏(‏ وحكمها ‏)‏ أي اليمين الغموس ‏(‏ الإثم ولا كفارة فيها ‏)‏ أي في اليمين الغموس ‏(‏ إلا التوبة ‏)‏ استثناء منقطع أو متصل ‏.‏ وقال الشافعي تجب فيها كفارة ‏;‏ لأنها لما وجبت باليمين المنعقدة فبالغموس أولى ولنا قوله عليه الصلاة والسلام ‏"‏خمس من الكبائر لا كفارة فيهن الإشراك بالله وقتل النفس بغير حق وعقوق الوالدين والفرار عن الزحف واليمين الفاجرة‏"‏ ‏,‏ ولأنها كبيرة محضة فلا تجب بها الكفارة كسائر الكبائر ‏.‏

‏(‏ وهي ‏)‏ أي الكفارة ‏(‏ عتق رقبة ‏)‏ أي إعتاقها وقد حققنا في الظهار وجه العتق مقام الإعتاق فمن الظن الحسن إعتاق رقبة ‏(‏ أو إطعام عشرة مساكين كما في عتق الظهار ‏)‏ أي يجزئ فيها ما يجزئ في الظهار من الرقبة كما بين في الظهار ‏(‏ وإطعامه ‏)‏ أي يجزئ فيها ما يجزئ في الظهار من الإطعام وقد مر بيانه أيضا ‏(‏ أو كسوتهم ‏)‏ أي كسوة عشرة مساكين ‏(‏ كل واحد ‏)‏ من العشرة ‏(‏ ثوبا ‏)‏ جديدا أو خلقا يمكن الانتفاع به أكثر من نصف الجديد ‏(‏ يستر عامة بدنه ‏)‏ أي أكثره وهو أدناه وذلك قميص وإزار ورداء ‏,‏ ولكن ما لا يجزيه عن الكسوة يجزيه عن الإطعام باعتبار القيمة كما في أكثر الكتب ‏(‏ هو الصحيح ‏)‏ المروي عن الشيخين ‏;‏ لأن لابس ما يستر به أقل البدن يسمى عاريا عرفا فلا يكون مكتسيا ‏(‏ فلا يجزئ السراويل ‏)‏ ‏.‏ وفي المبسوط أدنى الكسوة ما تجوز فيه الصلاة وهو مروي عن محمد ‏,‏ فتجوز السراويل على هذه الرواية ‏,‏ وعنه أنه للرجل يجوز وللمرأة لا يجوز ‏,‏ لكن ظاهر الرواية ما في المتن ‏,‏ ثم إن الأصل فيه قوله تعالى ‏{‏ فكفارته إطعام عشرة مساكين ‏}‏ الآية وكلمة أو للتخيير فكان الواجب أحد الأشياء الثلاثة عند القدرة ‏(‏ فإن عجز ‏)‏ الظاهر بالواو ‏(‏ عن أحدها ‏)‏ أي عن أحد هذه الثلاثة ‏(‏ عند الأداء ‏)‏ أي عند إرادة الأداء لا عند الحنث ‏,‏ حتى لو حنث وهو معسر ثم أيسر لا يجوز له الصوم وإن حنث وهو موسر ثم أعسر أجزأه الصوم ‏,‏ ويشترط استمرار العجز إلى الفراغ من الصوم ‏,‏ فلو صام المعسر يومين ثم أيسر لا يجوز له الصوم كما في الخانية ‏.‏ وعند الشافعي يعتبر وقت الحنث ‏(‏ صام ثلاثة أيام متتابعات ‏)‏ حتى لو مرض فيها وأفطر أو حاضت استقبل بخلاف كفارة الظهار والقتل ‏,‏ وعند الأئمة الثلاثة يخير بين التتابع وعدمه ‏.‏ وفي القهستاني وعنه أنه إذا كان قدر ما يشترط به طعام العشرة لا يصوم وعن ابن المقاتل إن كان له ذلك الطعام وقوت يومين لا يصوم وفي الأصل لو كان له مال مع الدين صام بعد قضائه وأما قبله ففيه اختلاف المشايخ ولو بذل ابن المعسر أو أجنبي مالا ليكفر به لم تثبت القدرة بالإجماع ‏(‏ فلا يجوز ‏)‏ أي لا يصح ‏(‏ التكفير قبل الحنث ‏)‏ سواء كان بالمال أو بالصوم ‏.‏ وقال الشافعي يجزيها بمال ‏;‏ لأنه أداها بعد سبب وهو اليمين فأشبه التكفير بعد الجرح ‏,‏ ولنا أن الكفارة لستر الجناية ولا جناية واليمين ليست بسبب ‏;‏ لأنه مانع غير مفض بخلاف الجرح ‏;‏ لأنه مفض ‏,‏ ثم لا يسترد من المسكين لوقوعه صدقة كما في الهداية ولم يذكر المصنف مسألة تعدد الكفارة لتعدد اليمين وهي مهمة ‏,‏ قال في الظهيرية ولو قال والله والرحمن والرحيم لا أفعل كذا ففعل ففي ظاهر الرواية تلزمه ثلاث كفارات ‏,‏ ويتعدد اليمين بتعدد الاسم لكن بشرط تخلل حرف القسم وتمامه في البحر والمنح ولو قال والله والله لا أفعل كذا يتعدد اليمين في ظاهر الرواية ‏.‏

فصل ‏(‏ وحروف القسم ‏)‏ الأولى حروف القسم بدون الواو ‏(‏ الواو ‏)‏ وهي بدل عن الباء تدخل على المظهر لا المضمر فلا يقال و ك و هـ ولا يجوز إظهار الفعل معها فلا يقال احلف والله ‏(‏ والباء ‏)‏ وهي الأصل فيها تدخل على المظهر والمضمر نحو أفعل به أو بك إذا تعين رجوع الضمير إلى الله تعالى ويجوز إظهار الفعل فيها نحو حلفت بالله فعلى هذا الأنسب تقديم الباء إلا أنه قدم الواو لكونها أكثر استعمالا عند العرب ولا يخفى أن القسم حلفت والباء للصلة ‏(‏ والتاء ‏)‏ وهي بدل عن الواو ولا تدخل إلا على لفظة الله خاصة نحو تالله ولا تقول تالرحمن تالرحيم ولا يجوز إظهار الفعل معها وللقسم حروف أخر وهي لام القسم وحروف التنبيه وهمزة الاستفهام وقطع ألف الوصل والميم المكسورة والمضمومة في القسم ومن ‏,‏ كقوله لله وها الله والله ومالله ومن الله ‏,‏ واللام بمعنى الباء ويدخلهما معنى التعجب وربما جاءت الباء لغير التعجب دون اللازم كما في التبيين ‏(‏ وقد تضمر ‏)‏ حروف القسم فيكون حلفا ‏;‏ لأن حذف الحرف من عادة العرب إيجازا ‏(‏ كالله أفعله ‏)‏ أي لا أفعله وإلا يلزم أن يقول لأفعلنه فتكون كلمة لا مضمرة فيه ‏;‏ لأن نون التأكيد تلزم في مثبت القسم ‏,‏ قال الزيلعي ثم إذا حذف الحرف ولم يعوض عنه هاء التنبيه ولا همزة الاستفهام ولا قطع ألف الوصل لم يجز الخفض إلا في اسم الله بل ينصب بإضمار فعل أو يرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر إلا في اسمين التزم فيهما الرفع وهما أيمن الله ولعمرك انتهى ‏.‏ لكن يفهم منه أن يكون حرف التنبه وهمزة الاستفهام من أدوات القسم وقد صرح بأنهما منها ‏,‏ إلا أن يقال بأن العوض بعد من الأصل وإنما قال تضمر ولم يقل تحذف ‏;‏ لأن في الإضمار يبقى أثره بخلاف الحذف ‏,‏ لكن بقي فيه كلام ‏;‏ لأن ظهور الأثر يختص بحالة الجر دون حالة النصب فيلزم أن يعبر فيها بالحذف تأمل ‏(‏ واليمين بالله ‏)‏ أي بهذا الاسم الشريف وهو اسم للذات عند الأكثرين وفيه إشعار بأن بسم الله ليس بيمين وهو المختار لعدم التعارف ‏.‏ وفي القدوري أنه يمين مع النية ‏.‏ وعن محمد أنه يمين مطلقا والإطلاق دال على أنه يمين وإن كان مرفوعا أو منصوبا أو ساكنا ‏;‏ لأنه ذكر الله مع حروف القسم ‏.‏ والخطأ في الإعراب غير مانع هذا إذا ذكر بالباء ‏,‏ وأما بالواو لا يكون يمينا إلا بالجر ‏(‏ أو باسم ‏)‏ هو عرفا لفظ دال على الذات والصفة فالله اسم على رأي ‏(‏ من أسمائه ‏)‏ مطلقا ولو غير مختص به كالعليم والقادر سواء تعارف الناس الحلف به أو لا وهو الصحيح ‏;‏ لأن اليمين باسم الله تعالى ثبت بقوله عليه الصلاة والسلام ‏"‏فمن كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليذر‏"‏ والحلف بسائر أسمائه تعالى حلف بالله وما ثبت بالنص أو بدلالته لا يراعى فيه العرف ‏(‏ كالرحمن ‏)‏ فإنه لم يستعمل في غيره تعالى ‏(‏ والرحيم ‏)‏ يستعمل في غيره ‏(‏ والحق ‏)‏ أي من لا يقبح منه فعل فهو صفة سلبية ‏,‏ وقيل من لا يفتقر في وجوده إلى غيره وقيل الصادق في القول ‏.‏ وقال بعض أصحابنا إن غير المختص به لم يكن يمينا إلا بالنية ورجحه صاحب الاختيار والغاية ‏;‏ لأنه إن كان مستعملا لله تعالى لا تتعين الإرادة إلا بالنية ‏(‏ و ‏)‏ لهذا اختار المصنف فقال ‏(‏ لا يفتقر إلى نية إلا فيما يسمى به غيره ‏)‏ أي غير الله تعالى ‏(‏ كالحكيم والعليم ‏)‏ ‏.‏ وفي البحر وهو خلاف المذهب ‏;‏ لأن هذه الأسماء وإن كانت تطلق على الخلق لكن تعين الخالق مراد بدلالة القسم إذ القسم بغير الله تعالى لا يجوز فكان الظاهر أنه أراد به اسم الله تعالى حملا لكلامه على الصحة ‏,‏ إلا أن ينوي به غير الله تعالى فلا يكون يمينا ‏;‏ لأنه نوى ما يحتمله كلامه فيصدق فيما بينه وبين ربه كذا في البدائع ‏(‏ أو بصفة من صفاته يحلف بها عرفا ‏)‏ أي في عرف العرب بلا ورود نهي ‏(‏ كعزة الله وجلاله وكبريائه وعظمته وقدرته ‏)‏ ‏;‏ لأن الأيمان مبنية على العرف وكل مؤمن يعتقد تعظيم الله تعالى وتعظيم صفاته ‏,‏ فما تعارف الناس الحلف به يكون يمينا سواء كان صفات الفعل أو الذات وإلا فلا ‏,‏ وهو قول مشايخ ما وراء النهر ‏.‏ وقال مشايخ العراق صفات الذات مطلقا يمين لا صفات الفعل والفاصل بينهما أن كل صفة يوصف بها وبضدها كالرحمة فهي من صفات الفعل وكل صفة يوصف بها ولا يوصف بضدها كالعزة فهي من صفات الذات ‏,‏ وقالوا إن ذكر الصفات للذات كذكر الذات وذكر صفات الفعل ليس كذكر الذات والحلف بالله مشروع دون غيره ‏,‏ لكن هذا الطريق غير مرضي عندنا ‏;‏ لأنهم يعتقدون بهذا الفرق الإشارة إلى مذهبهم أن صفات الفعل غير الله والمذهب عندنا أن صفات الله تعالى لا هو ولا غيره كلها قديمة فلا يستقيم الفرق بينهما كما في الكافي ولهذا اختار المصنف هذا فقال يحلف بها عرفا وهو الأصح كما في أكثر المعتبرات ‏(‏ لا ‏)‏ يكون اليمين ‏(‏ بغير الله ‏)‏ فإنه حرام عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغير الله صادقا وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال الإشراك بالله ثلاثة منها الحلف بغير الله وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال الحلف بغير الله شرك فما أقسم الله تعالى بغير ذاته وصفاته من الليل والضحى وغيرهما ليس للعبد أن يحلف بها وما اعتاد الناس من الحلف ‏"‏ بجان نون وسرتو ‏"‏ فإن اعتقد أنه حلف والبر به واجب يكفر ‏.‏ وقال علي الرازي إني أخاف الكفر على من قال بحياتي وحياتك وما أشبهه ‏.‏ وفي المنية أن الجاهل الذي يحلف بروح الأمير وحياته ورأسه لم يتحقق إسلامه بعد كما في القهستاني ‏(‏ كالقرآن ‏)‏ وسورة منه والمصحف والشرائع والعبادات كالصلاة وغيرها ‏(‏ والنبي والعرش والكعبة ‏)‏ ‏;‏ لأن العرب ما تعارفوها يمينا وذلك إذا لم يرد بالقرآن الكلام النفسي أما لو أريد فيكون يمينا هذا إذا قال والقرآن والنبي ‏,‏ أما لو قال أنا بريء من القرآن والنبي فإنه يكون يمينا ‏;‏ لأن البراءة منهما كفر ‏,‏ وتعليق الكفر بالشرط يمين ‏,‏ ولو قال أنا بريء من المصحف لا يكون يمينا ولو قال أنا بريء مما في المصحف يكون يمينا ‏;‏ لأن ما في المصحف قرآن فكأنه قال أنا بريء من القرآن كما في الكافي ‏.‏ وفي الفتح ولا يخفى أن الحلف بالمصحف الآن متعارف فيكون يمينا وتمامه فيه فليراجع ‏.‏ وقال العيني لو حلف بالمصحف أو وضع يده عليه أو قال وحق هذا فهو يمين ولا سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه الحلف به ‏(‏ ولا ‏)‏ يكون اليمين أيضا ‏(‏ بصفة لا يحلف بها عرفا ‏)‏ أي في عرف العرب ‏(‏ كرحمته ‏)‏ تعالى من الصفات الحقيقية فإن مرجعه الإرادة إذ المعنى إرادة الإنعام ‏(‏ وعلمه ‏)‏ صفة بها لا يخفى عليه شيء ‏(‏ ورضاه ‏)‏ أي تركه الاعتراض لا الإرادة كما قال المعتزلة فإن الكفر مع كونه مرادا له تعالى ليس مرضيا عنده ‏;‏ لأنه يعترض عليه ويؤاخذ به كما في القهستاني ‏(‏ وغضبه ‏)‏ أي انتقامه وكونه معاقبا لمن عصاه ‏(‏ وسخطه ‏)‏ أي إنزال عقوبته وفي الأصل الغضب الشديد المقتضي للعقوبة ‏(‏ وعذابه ‏)‏ أي عقوبته ‏(‏ وقوله ‏)‏ مبتدأ ‏(‏ لعمر الله ‏)‏ عطف بيان ‏(‏ يمين ‏)‏ خبر المبتدأ والعمر هو البقاء مضموما ومفتوحا ولم يستعمل في اليمين إلا المفتوح وهو من صفات الذات ‏,‏ فكأنه قال والله الباقي وهو مبتدأ واللام لتوكيد الابتداء وخبره محذوف هو قسمي أو ما أقسم به ولا يجوز أن يقال لعمر فلا ‏;‏ لأنه كبيرة فإذا حلف ليس له أن يبر بل يجب أن يحنث فإن البر فيه كفر عند بعضهم ‏.‏

باب اليمين في الدخول والخروج والإتيان والسكنى وغير ذلك شرع في بيان الأفعال التي يحلف عليها ولا سبيل إلى حصرها لكثرتها لتعلقها باختيار الفاعل فيدور على القدر الذي ذكره أصحابنا في كتبهم ‏,‏ والمذكور نوعان أفعال حسية وأمور شرعية ‏,‏ وبدأ بالأهم ‏,‏ وهو الدخول ونحوه ‏;‏ لأن حاجة الحلول في مكان ألزم للجسم من أكله وشربه الأصل أن الأيمان مبنية على العرف عندنا لا على الحقيقة اللغوية كما نقل عن الشافعي وعلى الاستعمال القرآني كما عن مالك ولا على النية مطلقا كما عن أحمد ‏;‏ لأن المتكلم إنما يتكلم بالكلام العربي أعني الألفاظ التي يراد بها معانيها التي وضعت في العرف كما أن العربي حال كونه من أهل اللغة إنما يتكلم بالحقائق اللغوية ويجب صرف ألفاظ المتكلم إلى ما عهد أنه المراد بها وتمامه في الفتح ‏.‏

باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام الأكل إيصال ما يحتمل المضغ بفيه إلى الجوف مضغ أو لا كالخبز ‏,‏ واللحم ‏,‏ والفاكهة ونحوها ‏,‏ والشرب إيصال ما لا يحتمل المضغ من المائعات إلى الجوف مثل الماء ‏,‏ والنبيذ ‏,‏ واللبن ‏,‏ والعسل فإن وجد ذلك يحنث وإلا فلا إلا إذا كان ذلك يسمى أكلا أو شربا في العرف والعادة فيحنث فإذا حلف لا يأكل كذا ولا يشرب فأدخله في فيه ومضغه ‏,‏ ثم ألقاه لم يحنث حتى يدخله في جوفه ولو حلف لا يأكل هذه البيضة أو الجوزة فابتلعها حنث لوجود الأكل ولو حلف لا يأكل رمانا فجعل يمصه ويرمي بثفله ويبتلع ماءه لم يحنث ‏;‏ لأن هذا مص ليس بأكل ولا شرب وأما الذوق فهو معرفة الشيء بفيه من غير إدخال عينه ألا ترى أن الأكل ‏,‏ والشرب يفطر لا الذوق ‏.‏ وفي البحر لو حلف لا يذوق في منزل فلان طعاما ولا شرابا فذاق شيئا أدخله في فيه ولم يصل إلى جوفه حنث ‏.‏

باب اليمين في الطلاق والعتق الأصل في هذا الباب أن الولد الميت ولد في حق غيره لا في حق نفسه وأن الأول اسم لفرد سابق ‏,‏ والآخر لفرد لاحق ‏,‏ والأوسط لفرد بين عددين متساويين وأن الشخص متى اتصف بالأولية لا يتصف بالآخرية لتناف بينهما وإن اتصاف الفعل بالأولية لا ينافي اتصافه بالآخرية ‏;‏ لأن الفعل الثاني غير الأول ‏(‏ قال ‏)‏ رجل لامرأته أو قال لأمته ‏(‏ إن ولدت فأنت كذا ‏)‏ أي طالق أو حرة ‏(‏ حنث بالميت ‏)‏ أي طلقت المرأة وعتقت الجارية بولد ميت لوجود الشرط ‏,‏ وهو ولادة الولد ألا يرى أنه يقال ولدت ولدا حيا وولدت ولدا ميتا ‏.‏

باب اليمين في البيع والشراء والتزوج وغير ذلك ‏(‏ يحنث بالمباشرة دون التوكيل ‏)‏ إذا كان ممن يباشر بنفسه ‏(‏ في البيع ‏,‏ والشراء ‏,‏ والإجارة ‏,‏ والاستئجار ‏,‏ والصلح عن مال ‏,‏ والقسمة ‏,‏ والخصومة ‏)‏ أي جواب الدعوى سواء كان إقرارا أو إنكارا وهي ملحقة بالبيع على المختار ‏(‏ وضرب الولد ‏)‏ حتى لو حلف لا يبيع ‏,‏ ثم وكل غيره فباع لا يحنث وكذا الحكم في الشراء وغيره ‏;‏ لأن العقود وجدت من العاقد حتى كانت الحقوق عليه ولهذا لو كان العاقد هو الحالف يحنث في يمينه فلم يوجد ما هو الشرط ‏,‏ وهو العقد من الآمر وإنما الثابت له حكم العقد إلا أن ينوي غير ذلك وقيدنا بإذا كان ممن يباشر بنفسه ‏;‏ لأن الحالف إذا كان ذا سلطان كالأمير ‏,‏ والقاضي ونحوهما لا يباشر بنفسه حنث بالأمر أيضا كما يحنث بالمباشرة بنفسه ‏;‏ لأنه يمنع نفسه عما يعتاده وإن كان يباشر مرة ويفوض أخرى اعتبر الغالب كما في البحر وغيره وبهذا علم أن المصنف أطلق في محل التقييد وأطلق أيضا في الصلح عن مال ‏,‏ وهو مقيد بأن يكون عن إقرار أما الصلح عن إنكار فهو فداء اليمين في حق المدعى عليه فيكون الوكيل من جانبه سفيرا محضا فعلى هذا إذا حلف المدعي أن لا يصالح فلانا عن هذه الدعوى أو عن هذا المال فوكل فيه لا يحنث مطلقا وإذا حلف المدعى عليه ‏,‏ ثم وكل به فإن كان عن إقرار حنث وإن كان عن إنكار أو سكوت لا ‏(‏ وبهما ‏)‏ أي يحنث الحالف بالمباشرة ‏,‏ والتوكيل ‏,‏ والأولى أن يقول بفعله وفعل مأموره ليشمل رسوله ‏;‏ لأنه يحنث بالرسالة في هذه الأشياء على أنه لا يحنث بمجرد الأمر ‏,‏ بل لا بد من فعل الوكيل حتى لو حلف لا يتزوج فوكل به لا يحنث حتى يزوجه الوكيل تدبر ‏(‏ في النكاح ‏)‏ بأن حلف لا ينكح فلانة ثم وكل فلانا بالنكاح فنكح له حنث ‏;‏ لأن الوكيل في هذا سفير ومعبر ولهذا لا يضيفه إلى نفسه ‏,‏ بل الآمر وحقوق العقد ترجع إلى الآمر لا إليه وكذا حال سائر الصور الآتية قيد بالنكاح ‏;‏ لأنه لو قال والله لا أزوج فلانة فأمر رجلا فزوجها لا يحنث بخلاف التزوج ‏;‏ لأن التزويج بأمره لا يلحقه حكم ‏,‏ والتزوج بأمره يلحقه حكم ‏,‏ وهو الحل كما في البزازية ‏(‏ والطلاق ‏)‏ سواء كان التوكيل به قبل الحلف أو بعده في النكاح ‏(‏ والخلع ‏,‏ والعتق ‏)‏ أي الإعتاق سواء كان التوكيل قبله أو بعده فإن علق الطلاق ‏,‏ والعتق بشرط ‏,‏ ثم حلف به ‏,‏ ثم وجد الشرط لم يحنث ولو حلف أولا حنث كما في أكثر المعتبرات ‏(‏ والكتابة ‏)‏ إذا لم يكاتب بنفسه وإلا فلا يحنث بكتابة الوكيل فينبغي أن يذكرها فيما لا يحنث كما في القهستاني ‏(‏ والصلح عن دم عمد ‏)‏ ‏;‏ لأنه كالنكاح في مبادلة المال بغيره وفي حكمه الصلح عن إنكار ‏(‏ والهبة ‏)‏ ولو فاسدة وعن أبي يوسف لا يحنث ‏.‏ وقال زفر لا يحنث فيه إلا بالقبض ‏(‏ والصدقة ‏,‏ والقرض ‏,‏ والاستقراض ‏)‏ قال صاحب الدرر عدهم الاستقراض هاهنا مشكل ‏;‏ لأنهم صرحوا أن التوكيل بالاستقراض باطل فيجب أن يترتب الحنث ‏;‏ لأن الباطل لا يترتب عليه الحكم انتهى لكن يمكن أن يحمل على ما هو متعارف من تسمية الرسول بالاستقراض وكيلا كما إذا قال المستقرض وكلتك أن تستقرض لي من فلان كذا درهما وقال الوكيل للمقرض إن فلانا يستقرض منك كذا ولو قال أقرضني مبلغا كذا فهو باطل حتى لا يثبت الملك إلا للوكيل تأمل ‏.‏

باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك الأصل فيه أن ما يشارك الميت فيه الحي تقع اليمين فيه على حالة الحياة ‏,‏ والموت وما اختص بحالة الحياة يتقيد بها فقال ‏(‏ الضرب ‏,‏ والكسوة ‏,‏ والكلام ‏,‏ والدخول يختص فعلها بالحي ‏)‏ ‏,‏ ثم فرع على هذا الأصل بقوله ‏(‏ فلا يحنث من قال إن ضربته ‏)‏ أي زيدا مثلا ‏(‏ أو كسوته أو دخلت عليه ‏)‏ فكذا ‏(‏ بفعلها ‏)‏ أي بفعل هذه الأشياء ‏(‏ بعد موته ‏)‏ أي بعد موت زيد ‏;‏ لأن الضرب اسم لفعل مولم متصل بالبدن ‏,‏ والإيلام لا يتحقق في الميت ‏,‏ والمعذب في القبر يحيى بقدر ما يتألم به ‏,‏ وهو أقرب إلى الحق فلو حلف لأضربن مائة سوط بر بضربة واحدة إن وصل إلى بدنه كل سوط بشرط الإيلام وأما عدمه بالكلية فلا وكذا الكسوة إذ يراد به التمليك عند الإطلاق ‏,‏ وهو لا يتحقق في الميت إلا أن ينوي به الستر وكذا الكلام ‏,‏ والدخول إذ المقصود من الكلام الإفهام ‏,‏ والموت ينافيه ‏,‏ والمراد من الدخول عليه زيارته وبعد الموت يزار قبره لا هو ولو دخل عليه في المسجد حنث على المختار وكذا لو حلف لا يطؤها أو لا يقبلها فوطأها أو قبلها بعد الموت لا يحنث ‏(‏ بخلاف الغسل ‏,‏ والحمل ‏,‏ والمس ‏)‏ لتحقق هذه الأشياء في الميت ‏(‏ وفي ‏)‏ حلف ‏(‏ لا يضربها فمد شعرها أو خنقها أو عضها حنث ‏)‏ لتحقق الإيلام بهذه الأفعال أطلقه فشمل ما إذا كانت اليمين بالعربية أو الفارسية وأما إذا كانت في حالة الغصب أو المزاح ‏,‏ وهو المذهب وقيل لا يحنث في حالة المزاح فلهذا لو أصاب رأسه أنفها في الملاعبة فأدماها لا يحنث ‏.‏ وفي الخانية هو الصحيح ولا يشترط القصد في الضرب فلو حلف لا يضرب امرأته فضرب أمته فأصابها يحنث كما في البحر وقيل يشترط على الأظهر فلا يحنث بأن تعمد غيرها وأصابها جزم به في الخانية ‏.‏